عرضت أعماله الفنية في العالم، وفي مقدمتها واجهة معهد العالم العربي في باريس، ومن الأحياء الشعبية في ريو دي جانيرو، الى المنطقة منزوعة السلاح بين كوريا الشمالية والجنوبية، إلى جانب الأحياء الشعبية في كيب تاون وفي قلب حي الزبالين في القاهرة نقلنا إل سيد عبر لوحاته الجدارية لنتجاوز الرسم عبر رسائل السلام والتأكيد على القواسم المشتركة للوجود الإنساني و الحاجة إلى العيش في سلام مع احترام الآخرين.
إل سيد هو فنان غرافيتي فرنسي من أصل تونسي ، بدأ ابداعه في فن الخط العربي منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي .وتمتد خبرته وممارسته لتتجاوز مجالات الرسم والنحت، حيث يعتمد على حكمة الكتّاب والشعراء والفلاسفة من جميع أنحاء العالم من أجل نقل رسائل
التقيت به في مركز “تشكيل” الحاضن للفنون في دبي حيث اعلن عن إطلاق العمل التركيبي الفني “تخيّل “وكان الحوار التالي:
س1: كيف استطعت جمع بين الثقافة الفرنسية والرسم بطريقة حديثة مع الخط العربي؟
الخط العربي كان بمثابة جسر لي للاقتراب من اللغة العربية. لو كنت قد وُلدت في تونس ودرست هناك، ربما لم أكن سأشعر بنفس الدهشة تجاه الخط العربي ولم أسع لتعلمه بنفس الشغف. لكنني في فرنسا، حيث التنوع الثقافي واللغوي، اكتشفت جمال الخط العربي وسعيت لدمجه مع أسلوبي الفني بطريقة معاصرة، مما منحني فرصة لمزج الثقافتين بشكل مبتكر.
س2: هل أثر اختلاف الثقافات عليك؟
لا، مطلقًا. فقد وُلدت في فرنسا ولغتي الأم هي الفرنسية، ولم أكن أجيد اللغة العربية في البداية. لكنني تعلمتها فيما بعد، سواء في القراءة أو الكتابة. أنا أؤمن بالانفتاح وتعدد الثقافات، وهذا جعلني أرى في التنوع الثقافي فرصة لتوسيع آفاقي.
س3: ما هي الرسالة التي أردت ايصالها من الرسم في الأحياء الفقيرة على الجداريات؟
ما يعجبني في العمل الذي أقوم به هو تسليط الضوء على التجارب الإنسانية. عندما أزور مكانًا جديدًا وأدخل بيوتهم من خلال الفن، يشعر الناس بالدهشة في البداية ويسألونني: “لماذا أنت هنا؟” ومع مرور الوقت، يبدأون في التعود علي ويظهرون الود والمودة. إنها عملية لبناء علاقات حقيقية. من المهم أن أتحدى نفسي في المجال الفني، لكن الأهم هو التجربة الإنسانية التي نعيشها ونتشاركها مع الأشخاص الذين نلتقي بهم.
س4: عندما تزور الأحياء الفقيرة في مناطق مثل أمريكا اللاتينية أو جنوبها، وتقوم بالرسم على جدران منازلهم، كيف يُمكن أن يُفسر ذلك من قبل الأشخاص الفقراء في تلك المناطق؟ وما هي التجربة التي يعيشونها، وما الدروس المستفادة من هذا الفعل؟
عندما أزور الأحياء الفقيرة في مناطق مثل أمريكا اللاتينية أو جنوبها وأرسم على جدران منازلهم، أجد أن هذا ليس مجرد عمل فني، بل هو لحظة مميزة تحمل في طياتها الكثير من المعاني. بالنسبة للشخص الفقير في تلك الأحياء، قد يبدو الأمر في البداية غريبًا أو غير متوقع، خاصة إذا لم يكن الفن جزءًا يوميًا من حياتهم. لكن مع مرور الوقت، يبدأ هذا الفعل في تحقيق تأثيرات إيجابية عليهم.
الرسم على جدران منازلهم ليس مجرد زخرفة، بل هو نوع من الاعتراف بوجودهم وإظهار قيمة المكان الذي يعيشون فيه. قد يشعرون أن فنهم الخاص أصبح جزءًا من هذا العالم، وأنهم ليسوا مجرد جزء من حي فقير، بل هم جزء من قصة أكبر تحمل في طياتها الجمال والإبداع.
التجربة هي تجربة إنسانية بحتة، مليئة بالتحديات والفرص. من خلال العمل الفني، تتيح لي الفرصة لخلق حوار مع الأشخاص الذين يعيشون هناك، فهم يرون في الفن أداة للتعبير عن أنفسهم وتغيير النظرة إلى منطقتهم. كما أن هذه التجربة تشعرهم بالأمل، وتشجعهم على التفكير بأن حياتهم، مهما كانت صعبة، تستحق أن تكون مرئية للعالم.
الخلاصة من هذا العمل هي أن الفن ليس فقط وسيلة للتعبير الشخصي، بل هو جسر للتواصل بين البشر، مهما كانت خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية. يمكن للفن أن يُحسن الحياة اليومية، يعزز الانتماء، ويمنح الأمل في أوقات الحاجة.
س5: هل تلامس رسوماتك روحك أو تجسد مشاعرك الداخلية؟
في الخط العربي، هنالك ما يتجاوز مجرد الشكل البصري ليصل إلى الأعماق ويلمس الروح قبل العين. الفرق بين الخط العربي وغيره من أنواع الكتابة يكمن في أن الخط العربي ليس مجرد أحرف تُكتب، بل هو فن يحمل في طياته روحًا وجمالًا خاصًا. لكل حرف في الخط العربي قصة، ولكل قلم حركاته التي تروي حكايات من الإبداع والإحساس. إنه لا يعكس فقط المعنى، بل يعبر عن هوية وثقافة، ويخلق تفاعلًا بين الشكل والمحتوى، مما يجعله أكثر من مجرد كتابة، بل تجربة فنية مليئة بالتفاصيل التي تلامس القلب قبل العين.
أما بالنسبة للعمل التشكيلي “تخيل” فتشكل المنحوتة الجديدة جزءاً من استراتيجية الفن في الأماكن العامة التي تتولى “دبي للثقافة” مهمة تفعليها وإدارتها بهدف تحويل دبي إلى معرض فني عالمي مفتوح ومتاح للجميع.
وتجسد منحوتة “تخيّل” التي استلهمها الفنان إل سيد من عباره “تخيل شيئاً لم تفعله من قبل” تجمع في تفاصيلها بين حروف اللغة العربية وجماليات الفن المعاصر، لتبدو بمثابة جسر يربط بين التراث والإبداع والمجتمع